الملاك الصغير :
استيقظت مبكرا كعادتي ...... بالرغم من أن اليوم هو يوم إجازتي , صغيرتي ريم كذلك اعتادت على الاستيقاظ مبكرًا , كنت أجلس في مكتبي مشغولة بكتبي وأوراقي .
ماما ماذا تكتبين ؟
اكتب رسالة إلى الله .
هل تسمحين لي بقراءتها ماما ؟
لا , حبيبتي , هذه رسائلي الخاصة ولا أحب أن يقرأها أحد .
خرجت ريم من مكتبي وهى حزينة , ولكنها اعتادت على ذلك , فرفضي لها كان باستمرار .
مر على الموضوع عده أسابيع, ذهبت إلى غرفة ريم ولأول مره؛ فارتبكت ريم لدخولي........
ياترى لماذا هى مرتبكة ؟
ريم ... ماذا تكتبين ؟ زاد ارتباكها .. وردت : لا شئ ماما , إنها أوراقى الخاصه .
ترى ما الذى تكتبه ابنة التاسعة وتخشى أن اراه ؟!!
أكتب رسائل إلى الله كما تفعلين ... قطعت كلامها فجأة وقالت : ولكن هل يتحقق كل ما نكتبه ماما ؟
طبعًا يا بنيتى فإن الله يعلم كل شئ .. لم تسمحى لى بقراءة ما كتبت , فخرجت من غرفتها واتجهت إلى راشد
كى اقرأ له الجرائد كالعادة , كنت اقرأ الجريدة وذهنى شارد مع صغيرتى , فلاحظ راشد شرودى ... ظن
بأنه هو سبب حزنى .. فحاول إقناعى بأن أجلب له ممرضة .. كى تخفف علىَ هذا العبء .. يا ألهى لم أرد أن
يفكر هكذا .. فحٌنت رأسه وقبلت جبينه الذى طالما تعب وعرق من أجلى أنا وابنته ريم , واليوم يحسبنى سأحزن من أجل ذلك .. وأوضحت له سبب حزنى وشرودى .
ذهبت ريم إلى المدرسة , وعندما عادت كان الطبيب فى البيت فهرعت لترى والدها المقعد وجلست بقربه تواسيه بمداعباتها وهمساتها الحنونة . وضح لى الطبيب سوء حالة راشد وانصرف , تناسيت أن ريم مازالت طفلة ,
ودون رحمة صارحتها أن الطبيب أكد لى أن قلب والدها الكبير الذى يحمل كل هذا الحب بدأ يضعف كثيرًا
وأنه لن يعيش لأكثر من ثلاثة أسابيع , انهارت ريم وظلت تبكى وتردد:
لماذا يحصل كل هذا لبابا ؟ لماذا ؟
ادعى له بالشفاء يا ريم , يجب أن تتحلى بالشجاعة , ولا تنسى رحمة الله إنه القادر على كل شئ .. فأنتِِ ابنته الكبيرة والوحيدة .
انصتت ريم إلى أمها ونست حزنها , وداست على ألمها وتشجعت , وقالت :
لن يموت أبى .
فى كل صباح تقبل ريم خد والدها الدافئ , ولكنها اليوم عندما قبلته نظرت إليه بحنان وتوسل وقالت : ليتك توصلنى يومًا مثل صديقاتى , غمرة حزن شديد فحاول إخفاءة , وقال :
إن شاء الله سيأتى يوم وأةصلك فيه يا ريم .. وهو واثق أن اعاقته لن تكمل فرحة ابنته الصغيرة .
أوصلت ريم إلى المدرسة , وعندما عدت إلى البيت , غمرنى فضول لأرى الرسائل التى تكتبها ريم إلى الله ,
بحثت فى مكتبها ولم أجد أى شئ .. وبعد بحث طويل .... لا جدوى .... ترى أين هى ؟!!
ترى تمزقها بعد كتابتها ؟ ربما يكون هنا .... لطالما أحبت ريم هذا الصندوق , طلبته منى مرارا فأفرغت مافيه
واعطيتها الصندوق .... يا إلهى إنه يحوى رسائل كثيرة وكلها إلى الله !
يارب .... يارب ... يموت كلب جارنا سعيد , لأنه يخيفنى !!!
يارب ... يارب ... قطتنا تلد قططًا كثيرة .. لتعوضها عن قططها التى ماتت !!!
يارب ............. ينجح ابن خالتى , لانى أحبه !!!
- يارب ....... تكبر أزهارى بسرعة , لأقطف كل يوم زهرة وأعطيها لمعلمتى !!
والكثير من الرسائل الأخرى وكلها بريئة ... من أطرف الرسائل التى قرأتها هى التى تقول فيها :
يارب .... يارب ... كبر عقل خادمتنا , لأنها أرهقت أمى .. ياإلهى كل الرسائل مستجابة , لقد
مات كلب جارنا منذ أكثر من أسبوع ..قطتنا أصبح لديها صغار , ونجح محمد بتفوق , وكبرت الأزهار , وريم
تأخذ كل يوم زهرة إلى معلمتها ... يا إلهى لماذا لم تقم ريم بالدعاء ليشفى والدها ويرتاح من عاهته ؟!
..... شردت كثيرًا ليتها تدعو له ... ولم يقطع هذا الشرود إلا رنين الهاتف المزعج , ردت الخادمة ونادتنى :
سيدتى المدرسة المدرسة !! ... ما بها ريم ؟؟ هل فعلت شيئاً ؟ أخبرتنى أن ريم وقعت من الدور الرابع وهى فى
طريقها إلى منزل معلمتها الغائبة لتعطيها الزهرة وهى تطل من الشرفة ... وقعت الزهرة ...ووقعت ريم ....
كانت الصدمة قوية جدًًا لم اتحملها أنا ولا راشد ........ ومن شدة صدمته أصابه شلل فى لسانه فمن يومها لا يستطيع الكلام .
لماذا ماتت ريم ؟ لا أستطيع استيعاب فكرة وفاة ابنتى الحبيبة .... كنت أخدع نفسى كل يوم بالذهاب إلى مدرستها
كأنى أوصلها , كنت أفعل كل شئ صغيرتى كانت تحبه , كل زاوية فى البيت تذكرنى بها أتذكر رنين ضحكاتها
التى كانت تملأ علينا البيت بالحياة..
ومرت سنوات على وفاتها , وكأنه اليوم . ى صباح يوم الجمعة أتت الخادمة وهى فزعة وتقول انها سمعت
صوتا ً صادرًا من غرفة ريم ..... يا إلهى هل يعقل ريم عادت , ( استغفر الله العظيم )هذا جنون ............
انت تتخيلين .... لم تطأ قدم هذه الغرفة منذ أن ماتت ريم ... أصر راشد على أن أذهب وأرى ماذا هناك ...
وضعت المفتاح فى الباب وانقبض قلبى ........
فتحت الباب فلم أتمالك نفسى , جلست أبكى و أبكى ....... ورميت نفسى على سريرها , إنه يهتز ...... آه
تذكرت قالت لى مرارا إنه يهتز ويصدر صوتا عندما تتحرك , ونسيت أن أجلب النجار كى يصلحه لها ...
ولكن لا فائدة الآن ..... لكن ما الذى أصدر الصوت , نعم إنه صوت وقوع اللوحة التى زينت بآية الكرسى ,
التى كانت تحرص ريم على قراءتها كل يوم حتى حفظتها , وحين رفعتها كى أعلقها وجدت ورقة بحجم البرواز وضعت خلفه , يا إلهى إنها إحدى الرسائل .... يا ترى ماذا مكتوب فى هذه الرسالة بالذات ؟
ولماذا وضعتها ريم خلف الآية الكريمة ؟
أنها أحدى الرسائل التى كانت تكتبها ريم إلى الله ....... كان مكتوب بها :
يارب .... يارب .... أموت أنا ويعيش بابا .......